لماذا من المهم أن نمنح كل خذلان حقّه في التعبير؟

‎حين يطرق الحزن أبوابنا، أو تمسّنا الخسارة، لا يكون التعبير عن الألم مجرّد رفاهية، بل هو ضرورة إنسانية وعلاج جوهري. إن كبت المشاعر، أو تجاهلها قسرًا، سواء بالانشغال أو التناسي، لا يُنقذنا منها، بل يضعنا في مواجهة أعمق مع ذواتنا، ونصبح بذلك أعداء أنفسنا.

‎كثيرًا ما تفرض الحياة علينا ظروفًا تُجبرنا على الاستمرار رغم الانكسار. تمضي الحياة بمطالبها دون أن تنتظر شفاءنا. وقد لا نجد بيئة آمنة نعبّر فيها عن مشاعرنا، أو لا نملك من نشاركه الألم، فنُضطر إلى حمل أعباء وجدانية معقّدة وحدنا، رغم أنّ تحليلها وفهمها قد يكون فوق طاقتنا الفردية.

‎ومهما اختلفت الأسباب، فإن التظاهر بالتعافي، ورفض الاعتراف بالمشاعر، يعني حرمان الروح من أحد أبسط حقوقها: حقّ التعبير.

‎تخيّل أن هذه المشاعر المؤجّلة أشبه بمادةٍ تتعفن ان لم تُخزّن بشكل صحي. و تخيل ان كبت مشاعرك اشبه بتركهم في وعاء مغلق. مع مرور الوقت، يبداء محتوى الوعاء بالتعفن و التسمم. وكلّما تراكمت جراح جديدة اخفيناها في ذات الوعاء، لتزداد نسبة العفن. ويكفي خدش بسيط في غلاف هذا الوعاء، اثر موقف صغير، حتى تتسرب السموم إلى الخارج، فتُفسد البدن والروح معًا. ويصبح الألم الناتج عن هذا أكبر من الجرح الذي سبّب التسريب. و تصبح انت هشًا، لا تقوى على تحمل أي قسوة، لا من قريب ولا من بعيد.

‎الصواب، إذًا، ليس في كبت المشاعر، بل في دفنها بطريقة سليمة، حتى لا يزداد العفن بداخلك و تتطهر من هذه المشاعر السلبية. ودفن الشعور لا يكون إلا عبر طقوسٍ وجدانية.

- البكاء

الفقد العاطفي، والخذلان، والخيبة، كلّها تستحق النواح، لأنّ في ذلك اعترافًا بالوجع، وتكريمًا لما كان.

أن نبكي، نعم، أن نبكي على فَقْد علاقةٍ، حتى لو كنا نحن الطرف الوحيد الصادق فيها. أن نرثي صورةً في مخيلتنا، كانت تمثل شخصًا أحببناه او وهما اشعرنا بالطمأنينة، أكثر من حزننا على فراق الشيء ذاته.

البكاء وسيلة تعبير بسيطة، و الدموع التي تنزفها اعيننا تحمل جزايئات حزن يتطهر بها الجسد. البكاء لا يقتصر فقط على الاحزان، حتى بعض الافراح تتطلب الدموع للتعبير عن مشاعر لا تستطيع الحروف الافصاح عنها.

-التواصل و الفضفضة

‎فلتتحدث مع صديق، أو معالج نفسي إن اقتضت الحاجة. فطلب المساعدة ليس عبئا، بل نضجٌ ومسؤولية. والمعالج النفسي يُعينك على تفكيك التجارب الفردية المعقّدة التي قد لا يستطيع الأشخاص العاديون استيعابها أو التعاطف معها بالشكل المناسب. لانك ان لم تجد التعاطف الذي تحتاجه من محيطك، سنتفكك علاقاتك اثر شعورك بالخيبة و الخذلان.

الصدمات النفسية تحتاج معاملة حساسة، و دائرتك غالبا لن تحتوى على مختصون يعرفون تفكيك اثارها بعناية كما تحتاج. ليس الذنب ذنبك، ولا هو ذنبهم. فبعض الأوجاع غير مألوفة، وبعض المعاناة لا تُفهم إلا ممن درسها وتدرّب على مرافقتها.

‎مشاركة الالم مهمة، لانها لا تتركنا رهينة الى صوتنا الداخلي، الذي في كثير من الأحيان، يتحول إلى محكمةٍ قاسية، نصدر فيها أحكامًا ظالمة على أنفسنا. نلوم ذاتنا، نجلدها، ونستمع إلى أصواتٍ داخلية تشكلها عقدنا النفسية و نقصنا، لتُشوّه الحقيقة. ومع مرور الزمن، تتبدّل ملامحنا، تخبو أنوارنا، ونفقد القدرة على التعرّف إلى أنفسنا حتى في انعكاسنا في المرآة.

‎وكل ذلك، لأننا لم نعطِ مشاعرنا حقها في التعبير.

- عدم لوم الذات

‎الخطوة الاولى في التعافي تبدأ من التوقف عن لوم النفس. يجب أن نمنح انفسنا فرصة أن نكون “ضحية” حين نكون فعلًا كذلك.

او نتقبل اننا لم نكن نكتسب الحكمة في وقوت وقوع الصدمات. دائما تذكر انك لم تكن الشخص التي انت عليه الان، تمتلك من العلم ما اكتسبته لاحقا. فالنسخة التي انئذت كانت اقل معرفه منك اليوم، فكن الطف في حكمك عليها.

وأمرٌ آخر يجدر بنا التنبّه له، هو الظروف التي وُلد فيها الخذلان. ففي بعض الأحيان، لا نكون ضحايا، بل كان ما حدث انعكاسًا لواقعٍ معقّد في تلك المرحلة. فلا يُلقى اللوم على طرفٍ بعينه، بل نمنح الموقف فهماً أعمق، ونتعامل معه بتسامحٍ لما ساقه القدر.

– اكتساب الحكمة

‎والخطوة الأهم، والأصعب، هي أن نتعلّم. لأننا إن لم نتعلّم، فسنظل ندور في نفس الدوائر، ونكرّر ذات الأخطاء و لا نكتسب الحكمة من دروسنا و تصبح الحياة بدلا ان تكون مدرسة، مكان للظلم فيه نحن الضحية. فالفهم جزء لا يتجزأ من الشفاء. لتعود قادرًا على رؤية أخطائك.

‎حتى وإن كانت أفعالك نابعة من صفاء نيتك إلا انها قد تكون تصرفات خاطئة، ادت إلى اختلال توازن في حياتك بشكل غير صحي.

‎وهذا لا يقتصر على الفقد العاطفي، بل يشمل كل خسارة: نهاية علاقة، انقطاع صداقة، فشل مهني أو مادي… كلها تحتاج إلى الفهم، والتأمل، والتعلّم.

‎لذا، اجلس مع نفسك، وتأمّل. وإن وجدت صعوبة في الفهم، فابحث، واقرأ، واطّلع على مصادر موثوقة تساعدك على رؤية ما عجزت عن رؤيته. اقرأ عن الصداقات الصحية، عن الحب الناضج، عن كيف نُحَب ونُحب كرجال أو نساء. لا عيب في الاستعانة بالمعرفة، بل فيها خلاص.

‎فمن خلال الانفتاح على رؤى وتجارب جديدة، يمكننا أن نعيد بناء أنفسنا، ونستعيد نورًا كدنا ننساه.

Comments

Popular posts from this blog

٥ سلوكيات نبيلة قد تكون سبب تعاستك

مفهموم الأنوثة و أركانها الخمسة

النساء والعار بين النصّ الديني والعادات