مفهموم الأنوثة و أركانها الخمسة



‎كثير من الفتيات، في العالم العربي والغربي على حد سواء، يعشن في بيئات تُطمس فيها معالم الأنوثة أو يُعتبر التعبير عنها أمرًا معيبًا. نادرًا ما تحظى المرأة ببيئة سليمة تساعدها على النمو على فطرتها الأصلية. ونتيجة لذلك، تتشوش مفاهيم الأنوثة لديها بسبب المعايير المجتمعية الضيقة التي تصوّر الأنوثة كرمز للذل والخضوع، بدلًا من أن تكون 

رمزًا للتكريم الذاتي والسكينة.


‎وقبل أن نتحدث عن الأنوثة بشكل دقيق، من المهم أن نبدأ بالفطرة السليمة التي يولد عليها كل إنسان، سواء أكان ذكرًا أم أنثى، كما يعلّمنا الدين الإسلامي. ومن هذه الفطرة تتفرع مفاهيم ومتطلبات وأدوار خاصة بكل جنس. والاعتراف بالاختلاف بين الطاقة الذكورية والأنثوية، وتكريمه كما خلقه الله، هو أساس بناء مجتمع سليم.


‎ما هي الفطرة السليمة للجنسان؟

‎الفطرة السليمة هي الفطرة القائمة على التوحيد. والإيمان بالله لا يقتصر على أداء العبادات، بل يشمل تزكية النفس وتطهير القلب والنوايا، لنتمكن من فهم جوهر الإسلام. فما الفائدة من شخص يصلي لكنه بخيل، أو حاقد، أو شهواني؟

‎جوهر الإسلام هو في تزكية القلب، ونجاح المجتمع مرهون بمدى التزامه الجماعي بهذا المبدأ، كما قال الله تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾


بعد التوحيد: حب الذات وتكريمها

‎يأتي بعد التوحيد او بأسلوب أوضح، يأتي بسبب التوحيد حب الذات وتكريمهامن آثار التوحيد وتزكية النفس، أن يكرم الإنسان نفسه ويحترمها، لأنها خلق الله. 

كثيرون يعتقدون أنهم يحبون أنفسهم، بينما يمارسون سلوكيات يُروج لها على أنها نبيلة، لكنها في حقيقتها تؤذيهم نفسيًا. وقد تحدثت عن ذلك في مقالي: ٥ سلوكيات نبيلة قد تكون سبب تعاستك.

‎حب الذات يعني أن تضع نفسك، واهتماماتك، وراحتك في المقدمة دون تردد. أن تعبّر عن رأيك ومشاعرك دون خوف أو قلق. وهذه من أهم المهارات التي يجب تطويرها، حتى إن لم تكن قد اكتسبتها في طفولتك، فابدأ اليوم بممارستها بوعي في حياتك.


أركان الأنوثة وكيفية تكريمها

‎بعد مرور سريع على مفهوم الفطرة، الذي سأتوسع فيه لاحقًا، نعود إلى الحديث عن أركان الأنوثة وكيفية تكريمها والاحتفاء بالاتصال الروحي بين الجسد والروح.


‎الاكتفاء الذاتي

‎الأنوثة لا ترتبط بشكل أو ملامح جسدية محددة، ولا لها عمر معين و تنتهي صلاحيتها بعده. فقط كونك أنثى يكفي لتعيشي طقوسك الأنثوية مدى العمر. لا يهم شكل الحوض أو مقاس الخصر، ولا إن كنت نحيفة أو ممتلئة. لا قيمة لما تفرضه وسائل الإعلام من معايير جمال متقلبة. ما يهم هو أن تكتفي بجسدك، تُكرّمي جمالك، وتحبّي نفسك.

‎من خلال علم الفراسة، نفهم أن ملامح الوجه تعكس ما بداخلنا، كما قال الله تعالى:
﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾
أي أن الإيمان ينعكس على الملامح. فنظرة واحدة قد تكشف طيبة النفس أو خبثها.

‎ما يعني أن ما يدور في داخلك سيظهر على وجهك.
حب الذات، وتكريمها، والرضا بجمالك الفريد، سينعكس في هدوء روحك، ومع الوقت، سيتجلّى حبك لذاتك على ملامحك.
قدّسي نفسك، جسدك، شعرك، واعتني بصحتك النفسية والذهنية. ورددي كلمات لطيفة لنفسك دومًا.


‎التعبير والربط الروحي

قلة من النساء يدركن وجود رابط عميق بين الحلق، القلب، والرحم مما يُعد قناة روحية للتعبير، يحمل طاقة مقدسة لا تُرى، لكنها تُشعَر.

هذا الرابط روحاني بطبيعته، ولا يستند إلى إثبات علمي مباشر، لكننا نعلم أن كبت المشاعر يؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية.

عند النساء، تظهر آثار هذا الكبت أحيانًا على شكل اضطرابات في الجهاز التناسلي، أو خلل في الهرمونات. ويمكن فهم هذا الرابط على النحو التالي: عندما يشعر الجسد بعدم الأمان، يرسل إشارات إلى العقل الباطن بأن البيئة غير آمنة للإنجاب، فيبدأ الرحم في التفاعل مع هذه الإشارات، وتبدأ المشكلات بالظهور.

ولفك هذا الارتباط، علينا أن نصغي لأجسادنا، ونمنحها مساحة للتعبير عن مشاعرها ورسائلها. عندما نسمح لصوتنا الداخلي أن يُسمع، ونُعبر بصدق عن ذواتنا، نعيد فتح أرواحنا للعالم، ونستعيد توازننا المقدّس من جديد. 

الرحم يخزن الصدمات العاطفية والمشاعر غير المعالجة. بمرور الوقت، يرسلها إلى القلب، الذي يحاول استيعابها، ثم إلى الحلق للتعبير عنها صوتيًا، سواء بالكلام أو الغناء.

‎إذا لم تجدي من تُصارحيه، أو كان ما يزعجك شديد الخصوصية، تحدّثي أمام المرآة أو اكتبيه في دفتر خاص. المهم أن تُخرجي هذه المشاعر من جسدك، ليقوى الرابط بين جسدك وروحك.

‎هذا الانسجام يفتح لديك طاقات الحدس والإبداع، ويحررك من مشاعر العار والانفصال الجنسي، فتستعيدين قوتك الأنثوية بالكامل.


‎رسم الحدود وحماية الجوهر

‎الأنوثة تحمل في طياتها الحنان والعاطفة، لكنها لا تبقى مشتعلة إن لم تُحمى. نورك الداخلي لا يجب أن يُستهلك بلا حدود.


كما تحدثنا سابقا التئاثيرات و الصدمات العاطفية تؤثر على صحة الرحم و صحة الشعر ايضاً.

‎قيمتك لا تعتمد على وجود أحد يمنحك إياها. لا تحتاجين لمن يحبك كي تحبي ذاتك. الاعتماد على الآخرين سيجلب الألم، بينما حب الذات ينبع من اتصالك بأنوثتك.

‎كوني حازمة في رسم الحدود. لا تسمحي لأي شخص بدخول حياتك ما لم يُثبت بمواقفه أنه أهل للثقة. حافظي على سلامك النفسي.

‎تفكير الذكور يختلف تمامًا عن الإناث. استيعاب هذا الفرق سيحميك من سنوات من المعاناة. والحنان الزائد ليس له مكان دائم مع الجنس الآخر.

‎احمي جوهرك من الجروح العاطفية. قد تختفي آثارها مع الوقت، لكن لماذا تضيّعين سنوات من عمرك لتعودي إلى نقطة البداية؟
اختاري من يدخل حياتك بوعي. وسأتحدث لاحقًا عن العلاقات الصحية واختيار شريك الحياة.

‎الأنوثة تزدهر في محيط صحي وآمن، فكوني دقيقة في اختيار دائرتك.


‎الراحة والطاقة الاستقبالية

‎الأنوثة تعني الراحة وطاقة الاستقبال، وهي مفاهيم غالبًا ما تُفهم بشكل خاطئ.

‎طاقة الاستقبال هي أن تستقبلي الحب، الاهتمام، و العناية دون الشعور بالذنب. هي حالة داخلية من القبول والانفتاح.

‎الطاقة الأنثوية تُركّز على الوجود، لا الفعل.
فعّلي هذه الطاقة بقبول المديح، بطلب أو استقبال المساعدة.

‎المرأة المتقبّلة ليست ضعيفة، بل تقول:
"أنا أملك ما يكفي، وأرحب بالمزيد دون لهفة."
ومن هنا، تجذب الفرص، الرزق، الحب، والعلاقات.


‎التحرر من العار

‎مفهوم العار موجود في مجتمعات متعددة، سواء كانت غربية أو شرقية، دينية أو غير دينية. نستنتج أن العار لا علاقة له بالدين، بل بالجهل والظلم.

‎هذا المفهوم يعكس كرهًا للمرأة ويبرز في المجتمعات التي غاب فيها المعنى الحقيقي للذكورة. حيث يحاول البعض إثبات "رجولتهم" بطرق مدمّرة. وغالبًا ما تكون هذه المجتمعات كما تشير الدراسات، أقل سعادة للرجال والنساء على حد سواء، لأنها تتناقض مع الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها.

‎هل ننسى أن القرآن نزل ليحرر الاناث من مجتمعات ربطتهن بالعار؟ وأن الله أمر الذكور و الاناث بالعفة على حد سواء؟
العقوبات في الإسلام متساوية للطرفين، ولا فضل لجنس على آخر في حفظ الفروج.

‎فلماذا يعبث المجتمع بدين الله ويدخل مفاهيم لا وجود لها فيه؟
علينا أن نميّز بين الدين والمجتمع، وأن نطهّر الأخير من الظلم الذي يخالف القرآن.

‎سأتحدث لاحقًا عن مفهوم العار والمرأة بتفصيل على صفحتي.
أما الآن، فاتركي هذه المفاهيم الظالمة وراءك، وتحرّري.

‎تأكدي: لا عيب في الأنوثة.
أحبي نفسك، وتوكلي على الله.
أحبيه لأنه يحب الإناث وكرمهن، عكس ما يفرضه المجتمع.


الخلاصة

‎الأنوثة هي:
اكتفاء ذاتي، تحرر من العار، تعبير عن النفس، حب الذات، والتواصل العميق بين الجسد، والرحم، والقلب، والحلق.

‎كوني مبدعة، ملهمة، حرة في اختياراتك.
ولا تنسي: الأنوثة ليست مهنة ولا هوايات محدودة، هي حضور وقيمة.

‎افعلي ما تحبين، لكن لا تنسي أبدًا أنكِ كافية كما أنتِ.
هذه هي الأنوثة.

Comments

Popular posts from this blog

٥ سلوكيات نبيلة قد تكون سبب تعاستك

النساء والعار بين النصّ الديني والعادات