الأنوثة المقهورة في حضن الأمومة: ميراث القمع بين الأجيال






تُعدّ علاقة الأم بابنتها من أكثر العلاقات الإنسانية تعقيدًا، فهي في كثيرٍ من الأحيان علاقة مشوبة بالسمّية والصراع، كأنها سلسلة تخنق الأنوثة في مهدها. تخنق الأم أنوثة طفلتها إرضاءً للمجتمع الذكوري، فتشبّ الابنة باحثة عن ذاتها المفقودة، وتكبر لتصبح امرأة بائسة فاقدة لاتصالها بأنوثتها، محصورة في دور الأمومة وما تقدّمه من خدمات لعائلتها، لتعيد بدورها تكرار التجربة الأليمة ذاتها مع ابنتها.


وتُبرز الكيفية التي يتسرّب بها النظام الأبوي إلى أدقّ الروابط الحميمية بين النساء.


ورغم أنّ الأمومة جزء أساسي من التجربة الأنثوية، إلا أنّها لا ينبغي أن تتحوّل إلى محور الكيان كلّه. فمشكلتنا تكمن في أنّ أمهاتنا مررنَ، في يومٍ ما، بما نمرّ به نحن اليوم؛ إذ قُمعت أنوثتهنّ وأُجبرن على كبتها تحت وطأة التعيير المجتمعي. خضن صراعًا مريرًا ضد فطرتهنّ الحرة، فاستسلمن لظلمٍ طويلٍ رسّخ فيهنّ الخضوع وجعله يبدو وكأنه من طبيعة نسيجهنّ.

وحين اعتقدن أنّ هذا الخضوع هو الصواب، بدأن بمحاولة فرضه على بناتهنّ، ليُعاد مشهد القمع ذاته في جيلٍ جديد. وهكذا، تحوّلت العلاقة بين الأم وابنتها إلى علاقة مؤلمة تملؤها المرارة والذلّ، نتيجة قمع الأم لأنوثتها ومحاولتها قمع الأنوثة في ابنتها. فأصبحت المرأة، دون وعيٍ منها، تحمل كراهيةً تجاه الأنوثة في داخلها، وخاصة تجاه النساء المتحرّرات اللواتي نجونَ من خوض هذه التجربة القاسية.

وهذا هو الجرح العميق الذي جعل المرأة في مجتمعاتنا عدوّةً للمرأة قبل غيرها. فكثيرًا ما تُقال عبارات جارحة بحق النساء لا تُقال في حق الرجال على الأفعال ذاتها، رغم أنّ العودة إلى جوهر الدين تُظهر أنّ التكليف والمطالب متساوية. غير أنّ المجتمع الأبوي الذكوري قرّر أن يعفي الرجال من المحاسبة، ويلقي باللوم كله على المرأة. 


يا لها من مسكينة هذه المرأة.

لهذا، من الضروري أن تتصالح كل فتاة مع أنوثتها قبل أن تختار خوض تجربة الأمومة، إن رغبت بها. عليها أن تُحنّ على نفسها، وأن تعترف بأنّ ما تعرّضت له في تربيتها كان جريمةً في حقّ فطرتها الحرة الكريمة.

فالدَّلع، والأنوثة، والرقص، وحبّ الحياة، ورفض الخضوع، والشعور بالعظمة والقدَر، والتحرّر من العار الظالم، كلّها سمات الأنوثة السليمة المتصالحة مع ذاتها.

أحبّي نفسك، وجمالك الفريد، وجاذبيتك الخاصة، ودَعي ابنتك تحبّ نفسها وجمالها وجاذبيتها. حرّريها من عقد العار لتتنوّر روحها، وتصبح قادرةً على التواصل مع جسدها، وعلى التعبير عن ذاتها من خلال الكلمة، والغناء، والفنون، والعلوم، وكلّ ما تميل إليه روحها الحرة.


Comments

Popular posts from this blog

٥ سلوكيات نبيلة قد تكون سبب تعاستك

مفهموم الأنوثة و أركانها الخمسة

النساء والعار بين النصّ الديني والعادات